الأحد، 2 مارس 2014

تامر موافي: سِفر الأحزاب

باطل الأباطيل ما كان باطلًا قبضته الريح “وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” ذكر من حيرت أحوالهم الخواطر في شدة الست الأواخر من يناير وما تلاها، يوم أخرجت الشوارع أثقالها وحبلت الميادين بالأحلام. فلما هُتك ما كان مصانًا ستره وتعرى، سقط قناع عن قناع فتبلبل الناس وتشظوا فرقًا. فمنهم من استمسك بأحلامه، ومنهم من أوردته المهالكَ أوهامُه، ومنهم من أغرته بالدماء قوته وسلطانه، ومنهم من أعماهم كل بارق، كلما أضاء لهم واحد مشوا فيه، فإذا أظلم عليهم قاموا متحيرين.


الذين نقموا على أستاذهم أن أعماه حب الولد فقدمه على عصبته ومماليكه، فظنوا أنهم يشترون بدماء غيرهم سلطانهم المفقود، ويطفئون بمعسول القول نيرانًا لا قبل لهم بها. فاصطفوا فى العلن قوما منوهم بالأماني وداعبوا بشهوة السلطان خيالهم، فإذا خلوا إلى غيرهم، قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون. حتى إذا دارت على المخدوعين دوائر أطماعهم، وظهر للناس فساد سرائرهم وسوء ما انطوت عليه ضمائرهم، قلبوا لهم ظهر المجّن، وأروهم منهم وجهًا غير ما عودوهم، واستحلوا دماء من كانوا أولياءهم بالأمس القريب، كما استحلوا دماء غيرهم من قبل، وهم اليوم وقد بدا لهم أنهم استقبلوا من غابر سلطانهم ما استدبروه، يزرعون الأفق قبورًا يظنونها لأعدائهم، ويأججون على الناس نيرانًا يظنون أنهم خزنتها، ويوسعون خرقًا يظنون أنهم قادرون على رتقه، حتى إذا أصبحهم يوم قريب، حصدوا ما زرعوا، وكانوا حطب ما أججوا، وغيبهم ما كانوا يرتقون، الذين جعلوا ما لله سلمًا لما لقيصر فكسدت بضاعتهم. كانت عيونهم قد ألفت الظلال فأغشاها بريق السلطان، فصاروا في نشوة الفتح الكاذب سكارى يتخبطون، حتى ولغوا في دماء من خانوهم من قبل فكان لأيديهم نصيب مما سبق أن حملته ضمائرهم. وما خانهم إلَّا من دفعوا له بالتي هي أحسن فظنوا أنه ولي حميم.


وهم اليوم بين قتيل وثاكليه، وسجين تستعصي عليهم قيوده، ومطارد ضاقت به الأرض بما رحبت، تكاثفت على ظلالهم القديمة ظلال خلف ظلال، يسكنها أشباح من خرجوا من عباءتهم في يوم بعيد. استبدلوا بعماء الشهوة عماء الحقد فصاروا يرون دماءهم على أيدي الجميع. يسبون من يرجون نصرته، ويقطعون من في وصله نجاتهم. مصيرهم معلق بأهواء قاتلهم، في رضاه أو سخطه هلاكهم على السواء. خرقوا بأيديهم سفينتهم فلا نجاة إلَّا لمن هجرها منهم. الذين عبروا يوم انشق النهر فعاينوا عذاب المغرقين، ولكنهم أرادوا أن يبدلوا آلهتهم بغيرها فما وجدوا إلَّا بشرًا ليسوا أمثالهم. فلما رُدت الكرة لعبدة الأوثان وكانوا أكثر نفيرًا، التحقوا بهم واتخذوا من زينة القوم عجلًا، جسدًا أجوف، له خوار، فعكفوا على عبادته بين ركع وسجود. أطلقوا في محاريب معابده البخور وما اطمأنت قلوبهم بالإيمان، فهى من الغد على وجل. خرجوا فى موالد العرس المشهود زرافات، فتلووا رقصًا وانتحبوا بالزغاريد وصبوا على من كشفوا عن عيونهم الغطاء لعناتهم، فما زادهم سخطهم إلا خوفًا على خوف. قايضوا على سلامتهم بدم ينكرون فيه رائحتهم، وظنوا أنهم يغرون بتذللهم رضا القاتل، ولكنهم يفزعون لصوت قرقعة العظام يظنونها في كل مرة لهم. فى قرارة أنفسهم يتمنون لو يأتى من بعصاه يشق النهر مرة أخرى، وينسون أنه قد ولى عهد النبيين، وأن النهر لا تشقه العصي وإنما تسجد مياهه للقرابين من أرواح الشهداء، الذين عاينوا فقد من يحبون فتمسكوا بذكراهم، الذين يدركون أن أكثر لحظات الليل إظلامًا هي ما يسبق فجر يوم هو لابد آت. الذين يعلمون أنهم أبناء حلم قد أظلهم زمانه، وأن زمان ظالميهم إلى زوال قريب. طوبى لهم، طوبى لمن يتسربلون بدفء شمس غدهم فى برد زنازين سجانيهم فإنهم يُعزّون. طوبى لمن يقبضون على جمر حقيقتهم فى وجه سخرية الجنون. طوبى لمن يبنون فلك نجاتهم من طوفان قريب.


The post تامر موافي: سِفر الأحزاب appeared first on البديل.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق