السبت، 30 نوفمبر 2013

إياد حرفوش: الجمهورية المصرية الأولى فى ۱٨٨۲م

الزمان: ۲٤ يوليو ۱٨٨۲م


المكان: المحروسة، حديقة منزل السيد البكري


هل توقعتم أن يحدثكم السيف بفصول ختام الملحمة العرابية؟ لا يا أحبتي، أنا العصا عدت إليكم، لأحكي تلك الفصول التي سمعتها من صاحبي الشيخ وهو يجتر آلامها في المنفى صباح مساء، أما السيف فلم يكن له فيها نصيب، إذ لم تمكن الخيانة صاحبي من الوصول لسيفه، وداهمته قبل أن يشهره بوجه عدوه، أو يرفعه ليوجه به جنده! لم يستحي الإنجليز من خسة الغدر حيال قائد أكرم أسراهم في كفر الدوار والقصاصين، حتى أن والدة أحد الضباط الأسرى هو “دادلي دوشير” قد أرسلت تلغرافا تحييه لما أكرم به مثوى ولدها في أسره، ولأنه سمح له بإرسال برقية لأمه[1]!ا


لكني قبل الحديث عن هموم الخيانة في التل الكبير، سأحدثكم اليوم عن صفحة رائعة من صفحات تاريخكم، صفحة أول محاولة مصرية لإعلان الجمهورية، والتي سماها “عرابي” في تقريره لمحاميه «الجمهورية المؤقتة»، وواقع الحال أنه لو قدر لعرابي الانتصار لصارت جمهورية دائمة!ا


في يوليو – شهر الدماء الحارة في عروق المصريين، وشهر الانتفاض ضد الخونة والخيانة بكل أشكالها – اجتمع خمسمائة مصري من أهل الحل والعقد وكبار القوم لأمر عظيم، فقد خان الخديو “توفيق” جيشه، وأصدر فرمانا في ۲۰ يوليو بعزل ناظر الحربية “أحمد عرابي باشا”، الذي كانت كل جريمته بنظر الخديو هي رفض الذل، ومواجهة المستعمر، بل أوغل الخديو في الخيانة، فاستقبل قائد الأسطول الغازي “سيمور” في قصر الرمل، وانتقل في حراسة الجنود الإنجليز لسراي رأس التين!! هنا، وفي غضون أيام من فرمان الخيانة، ثارت الحمية في عروق المصريين، وبينما كان “عرابي” يعيد ترتيب قواته في كفر الدوار ليدافع عن المحروسة، نادى فضلاء من السادة الأشراف مثل السيد “السادات”، والسيد “البكري”، وكانا على اتصال بالسيد “عبد الله النديم”، فاستجاب لندائهم المصريون، واجتمع معهم شيخ الأزهر، وبطريرك الأقباط، وقاضي القضاة، والعمد ومشايخ البلاد، وكبار التجار والصناع، فضلا عن ثلاثة من أمراء أسرة محمد علي، وكبار موظفي الدولة مثل وكيل الجهادية “يعقوب سامي باشا”، ووكيل الداخلية “حسين باشا”، ووكيل الحقانية “بطرس باشا”. واتخذ الجمع القرارات التالية:


§ عزل الخديو “توفيق” الذي خان أمانة السلطة، وانبطح للمستعمر

§ إلغاء فرمان الخديو بعزل “عرابي”، وتكليف ناظر الحربية بصد العدوان

§ إعلان الجهاد في أنحاء القطر المصري، وفتح باب التطوع للجهادية، والتبرع لميرة الجيش وإعداده

§ إرسال برقية للسلطان العثماني تخطره بعزل توفيق، وأن المجلس المنعقد، والموقع على البيان، هو المتصرف في شئون مصر .. مجرد إخطار، فلا شرعية تعلو على حق أبناء مصر في بلدهم. هو الحق الأصيل وما عداه طارئ


خمسمائة مصري وحسب اتخذوا تلك القرارات بوصفهم أهل الحل والعقد، ووقعوا البيان (عدا شيخ الأزهر الذي رفض التوقيع بيده خوفا!! وأعطاهم خاتمه ليضعوه على البيان، ليدعي بعد ذلك أنه أكره عليه)، لتعلن تلك النخبة الفاضلة سيادة أبناء مصر على أراضيها. وقد يقول قائل أن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، فنقول له أن أرقام التبرعات لديوان الجهادية، وتطوع المصريين للقتال، والمثبتة في البرقيات الرسمية، تكذب زعمك هذا، فقد تبرع الشعب المرهق اقتصاديا بسبب قانون تصفية الديون وقتها، بثمانية آلاف فرس وبغل، وأربعة آلاف جمل، فضلا عن مئات من رؤوس الماشية وآلاف الأغنام وآلاف من أرادب القمح والشعير. أما الرقم الذي يقطع الجدل فهو عدد المتطوعين للقتال والذي بلغ مائة ألف مصري، لم يمكن قبول تطوعهم لعدم توافر السلاح بهذه الأعداد الكبيرة، حيث كان قوام الجيش وقتها ۱٨۰۰۰ مقاتل فقط.!ا


لكم أن تعرفوا بني مصر أن هذا الإعلان كان يغير وجه تاريخنا المعاصر، لو قدر للثورة الانتصار، ولو لم تنتهي وينتهي معها المجلس والجمهورية بعد أقل من شهرين!! كان يغير وجه مصرنا لو لم يكسر الولس “عرابي”، ولو لم ينشق عليه من كان ثائرا إلى جانبه بالأمس مثل “محمد سلطان” باشا، لأنه نقم على القائد الثائر محبة الناس له! ومن كان جنديا تحت قيادته مثل “علي خنفس” الذي أغراه الذهب، ومن كان يبدي الولاء والمساعدة، وهو يخفي المكايدة مثل “سعيد الطحاوي”، هؤلاء وأمثالهم عرقلوا طفرة تاريخكم بالأمس، ولعل أشباههم من سلاطين وخنافس وطحاوية يعرقلونه حتى يومكم هذا، وفيكم سماعون لهم في كل حين!ا


The post إياد حرفوش: الجمهورية المصرية الأولى فى ۱٨٨۲م appeared first on البديل.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق